يلاحظ أن بعض الناس إذا جاء رمضان تابوا وصلوا وصاموا فإذا انقضى عادوا إلى ترك الصلاة وفعل المعاصي فهؤلاء بئس القوم لأنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان ألم يعلمواأن رب الشهور واحد وأن المعاصي حرام في كل وقت وأن الله مطلع عليهم في كل زمان ومكان فليتوبوا إلى الله تعالى توبة نصوحًا بترك المعاصي والندم على ما كان منها والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل حتى تقبل توبتهم وتغفر ذنوبهم وتمحى سيئاتهم *وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* [سورة النور من آية: 31]*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ* [سورة التحريم من آية: 8].
فمن استغفر بلسانه، وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعاصي بعد الشهر ويعود فصومه عليه مردود وباب القبول في وجهه مسدود.
__________
*1* انظر لطائف المعارف لابن رجب ص 220 – 228.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب التواب الرحيم. اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
* ملاحظات *
1 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يستعدون له بالتفنن بأنواع المأكولات والمشروبات وهي وإن كانت مباحة إلا أنه لا ينبغي الإفراط في ذلك والإسراف فيه بل الواجب الاقتصاد في المأكل والمشرب وغير ذلك من متع الحياة، قال تعالى: *وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* [سورة الأعراف
آية: 31] وهذه الآية من أصول الطب قال بعض السلف: إن الله جمع الطب كله في نصف آية ثم قرأ هذه الآية*1*. فأمر بالأكل والشرب اللذين بهما قوام البدن ثم نهى عن الإسراف في ذلك الذي فيه مضرة للبدن.
وقال عليه الصلاة والسلام: «كل واشرب والبس وتصدق في غير إسراف ولا مخيلة» أخرجه أبو داود وأحمد وعلقه البخاري.
وقال *: «ما ملأ ابن آدم وعاء شرًا من بطنه. بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه». رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها*2*. وعن مالك بن دينار قال: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة. وقال سفيان الثوري: إن أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل، وعن أبي هريرة * عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشهوات التي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» رواه الإمام أحمد.
__________
*1* انظر تفسير ابن كثير جزء 2 ص 210.
*2* انظر المجموعة الجليلة ص 452.
وأقل ما يترتب على الإسراف في المأكل والمشرب كثرة النوم والكسل عن صلاة التراويح وتلاوة القرآن في الليل والنهار، فمن أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فخسر كثيرًا، وضياع أوقات رمضان الشريفة الفاضلة النفيسة التي لا تعوض ولا يعادلها شيء والأوقات كلها محدودة والأنفاس معدودة، وأنت مسؤول عن أوقاتك ومحاسب عليها ومجزي على ما عملت فيها فلا تضيعها بغير عمل ولا تفرط بساعات عمرك الذاهب بغير عوض وخصوصًا في هذا الشهر الكريم والموسم العظيم.
2 - يلاحظ أن كثيرًا من الناس في رمضان يقضون النهار في النوم حتى لا يحسوا بالصيام، حتى إن بعضهم ينام عن صلاة الفريضة مع الجماعة هداهم الله، ويقضون الليل في القيل والقال واللهو واللعب والغفلة، وهذا فيه خطر عظيم وخسارة جسيمة عليهم فإن شهر رمضان موسم عبادة من صلاة وصوم وقراءة قرآن وذكر لله ودعاء واستغفار وهو أيام معدودة تنقضي بسرعة شاهدة للطائعين بطاعتهم وشاهدة على العاصين بمعاصيهم وينبغي للمسلم أن يحفظ أوقاته فيما ينفعه وألاَّ يكثر الأكل بالليل والنوم بالنهار وألا يضيع وقتًا من أوقاته بغير عمل صالح يعمله أو قربة يتقرب بها إلى ربه. وعن الحسن البصري * قال: *إن الله جعل شهر رمضان وقتًا للمسابقة إلى الخيرات والمنافسة بالأعمال الصالحات فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا* وفي المسند عن عقبة بن عامر * عن النبي صلى الله عليه وسلم * قال: «ليس من عمل يوم إلا ويختم عليه» فالأيام والليالي خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير أو شر وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة، والمذنبون المفرطون في أوقاتهم يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة.
3 - يلاحظ أن بعض الناس يسهرون في رمضان غالبًا فيما لا تحمد عقباه من القيل والقال واللهو اللعب والتجول في الشوارع ثم يتسحرون بعد نصف الليل وينامون عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة وفي ذلك عدة محذورات:
*
أ* السهر فيما لا يجدي وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم * يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا في خير، وفي الحديث الذي رواه أحمد عن ابن مسعود: *لاسمر إلا لمصل أو مسافر* ورمز السيوطي لحسنه.
*ب* وضياع أوقاتهم الثمينة في رمضان سدى بدون أن يستفيدوا منها شيئًا وسوف يتحسر الإنسان على كل وقت يمر به لا يذكر الله فيه.
*ج* وتقديم السحور قبل وقته المشروع آخر الليل قبيل الفجر.
*د* والمصيبة العظمى النوم عن أداء صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة التي تعدل قيام الليل أو نصفه كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن عثمان * أن رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله».
وبذلك يتصفون بصفات المنافقين الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ويتكاسلون عنها ويحرمون أنفسهم الفضل العظيم والثواب الجسيم قال تعالى: *إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى* [سورة النساء آية: 142]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم * أن أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيها لأتوهما ولو حبوا رواه البخاري ومسلم.
فينبغي للمسلم وخصوصًا في رمضان أن ينام مبكرًا بعد صلاة التراويح ويستيقظ مبكرًا آخر الليل فيصلي ما كتب له ثم يشتغل بالذكر والدعاء والاستغفار والتوبة قبل السحور وبعده حتى يصلي الفجر إلا إذا كان يقضي ليله بقراءة القرآن ومدارسته كفعل
النبي صلى الله عليه وسلم * مع جبريل عليه السلام فهو أفضل.
وقد مدح الله المستغفرين بالأسحار وأثنى عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله * قال تعالى في وصف المؤمنين: *كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* [سورة الذاريات آية: 17 – 18]. وقال عليه الصلاة والسلام: «ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر» رواه مسلم. فينبغي للمسلم الراجي رحمة ربه الخائف من عذابه أن ينتهز هذه الفرصة فيدعو الله آخر الليل لنفسه ولوالديه وأولاده ولعامة المسلمين وولاة أمورهم خاصة وأن يستغفر الله ويتوب إليه في كل ليلة من ليالي رمضان بل وفي كل لحظة من لحظات عمره المحدود قبل هجوم الموت وانقطاع العمل ومفارقة الحياة وانقطاع اللذات ودوام الحسرات قال تعالى: *وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* [سورة النور من آية: 31] اللهم تب علينا إنك أنت التواب الرحيم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.