- سورة الكهف: اسم يبعث على الرعب والخوف فهو عبارة عن مغارة بتعبيرنا الدارج، ولكن لو بحثنا عن الإلهام الإلهي: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا) (الكهف/ 16)، لوجدناه يطمئن النفس المؤمنة بأن الله لطيفٌ لما يشاء، يرسل البلاء ومعه التخفيف والرحمة.
أنها رسالة إلى كلٍّ من حُبس في كهف الظلم يوماً تخاطبه.كيف كان حالك مع ربك في أسرك وكهفك المظلم؟
ألم تشعر بأن هذه الخلوة الإجبارية بيد الظلمة كانت إنقاذاً لك من دوامة الحياة التي كانت لا محالة ستبتلعك لو لا لطَف الله بك؟ فكنت كمَن يريد أن يصلح عيوب سيارته ومركبته وموصلته إلى غايته، وهي نفسك التي بين جنبيك، ولكنك لا تستطيع لأن محركها دائماً في سخونةٍ من طول الاستعمال ودوام الدوران، فلا تستطيع إصلاحها إلا عندما تتركها تبرد، ثم تفصل بين مكونات أجزائها لتصلح كل جزءٍ على حدة، ثم تعيد تركيبها واستخدامها بصورةٍ أفضل وأمن، أو كمن يريد أن يراجع حساباته وما له وما عليه في تجارته الواسعة، فهيهات له ذلك، وأنى يقدر عليه وهو في بيعٍ وشراء صباحاً ومساءً، فإذا أراد ذلك وكان حريصاً عليه وجب عليه وقف البيع والشراء وإغلاق المحلات، وجلب الدفاتر وبدء مراجعة الحسابات وجرد الواردات والمصروفات.
انظر إلى ما فعل الله بك، إنه قد نبَّهك إلى لحظات الامتحان، وسحب أوراق الإجابة، ذكرك بالقبر وضمته والحساب وشدته ودقته ثم أمهلك وقتاً إضافياً بعد أن ظننت أنه لا مرجع ومآب بعد إغلاق هذا الباب.
بل تعال واكتب بخط يدك: ألم تشهد بنفسك على نفسك أن الله وأنت في كهفك قد نشر لك من رحمته ونور دعوته وأفاء عليك من أجره بمجرد النية، وقد حبسك العذر؟.. ثم ألم تشهد بنفسك على نفسك: كيف كانت الملائكة أولياءك في الحياة الدنيا، وهيَّأ الله لك من أمرك رشداً في اهلك ومالك؟
سأترك لك البقية لتكتب بخط يدك ما وجدته عند خروجك من محبسك مما أفاء الله عليك، ومما لم يكن لك فيه أدنى فضل أو يد، وأنت جنين في رحم السجن يرزقك ربك من غير حول منك ولا قوة.